من الشوكولامو إلى بوظة بكداش وأطباء سورية
وهل يوافقها اللبنانيون جميعهم على ذلك؟ وهذا المؤشّر الخطېر على "ضياع الثقافة اللبنانية" يستدعي إعادة اللاجئين السوريين بالقوّة، كما تقول، فهل نسيت لغة جدّاتها، عندما كانت سورية ولبنان أرضًا واحدة، وهل غاب من لبنان كل من يقول: صباح الخير، نهارك سعيد، وكل عبارات التحيّة التي تعبّر عن غنى لغتنا العربية،
ودفء قلوب أبنائها ومحبّتهم وتواصلهم الإنساني؟ حتى عبارة: السلام عليكم، التي يمكن أن يُضفي عليها بعضهم صفة دينية أو طائفية برغم شيوعها، كم تحمل من السموّ في دلالتها؟
السلام عليكم أيها اللبنانيون والسوريون الأصلاء الطيبون: ليس هذا المقال ردًّا على نضال الأحمدية، وأنتم انتفضتم للقيم والأخلاق ورفع الضيم، من لبنانيين وسوريين وعرب آخرين، لكنه بقعة ضوء خاطفة تذكّر بأن الشعوب هي الأبقى، وأنها لا تُؤخذ بجرائر حكّامها، ولا تقييمها بالمسطرة نفسها، وأنها منتجة حضارة وثقافة ومقوّمات حياة،
وإذا كانت سورية تمرّ بأزمة بسبب حربٍ تصنّف من الأخطر في العصر الحديث، اضطرّت الملايين من شعبها لأن يهاجروا هروبًا من المoت، فإن الشعب السوري الذي يسأم الذلّ وهدر كرامته من المتعصبين في كل العالم، ما زالت كرامته عزيزة عليه، وما زالت قيمه نبيلة، وما زال يستنبط كل طاقاته المكنونة ليواكب العصر ويكون منتجًا وفاعلًا، وليست معايير الحضارة الإنسانية تقوم على الشوكولامو، التي هي بالمناسبة اسم صنف طعامي وليس مفردة لغوية، مثلما قالت الأحمدية: إنه لا يفهم لغتها.
في النهاية، جرحت قصة شاهدتها على "يوتيوب" قلبي... شاب سوري في تركيا يوصل طلبات "ديليفري"،
عندما كان يوصل أحد الطلبات لمح بيانو في صدر صالة البيت الذي فُتح لاستلام الطلبية، لم يستطع مقاومة حنينه، وربما شغفه، طلب من صاحب البيت أن يسمح له بالعزف قليلًا على البيانو، وكان هذا لطيفًا فدعاه، فجلس أمام البيانو كما لو أنه في حضرة القداسة، وراح اللحن يتصعّد أنغامًا ټخطف الروح بعذوبتها، بينما الشاب السوري يبدو كما لو أنه يحلّق في سمواتٍ بلا حدود.
السوري إنسان، يا سيدتي الإعلامية، وحضاري، وأخلاقي، ولا يرضى أن يكون عبئًا على أحد، لكن شياطين الكون اجتمعوا عليه.