‫امرأة لا تخشى الوداع‬ بقلم الكاتبة ‫مــروة أحمـــد‬

موقع أيام نيوز

‫يتأثــر قلبــي بــكل شــيء؟ لمــاذا أرى خيوطــا بيضــاء‬
‫تلــون أجــزاء مــن شــعرى؟ تمنيــت فــي هــذه اللحظــة‬
‫يــا جدتــي أننــي كنــت ســألتك كثيــرا عــن كل شــيء‬
‫اختبرتــه بالحيــاة ‪..‬يــا ليتنــي ســألتك يــا جدتــي عــن‬ ‫كل لحظــات العمــر‪.‬‬
  ‫تشابك الطرقات‬

‫أنــا أيضــا اســتوقفني العنــوان مثلكــم تمامــا‪،‬‬

‫ولكــن تختلــف هــذه القصــة مــن حيــث موقــع هــذه‬
 ‫الشــوارع وماهيــة تلــك الطرقــات‪..‬‬
  ‫ً‬‫كانــت الســماء تميــل إلــى الغيــوم ظهــرا فــي أحــد‬
‫أيــام نوفمبــر الهادئــة حيــن طلبــت والدتــى أن‬
‫انتبــه لــدورة الغســيل األخيــرة حتــى يتســنى لهــا‬
‫أن تنجــز المهــام التــي تقــوم بهــا وتتمكــن مــن‬
‫(نشــر) الغســيل قبــل ان يتغيــر الجــو‪،‬فــي هــذه‬
‫اللحظــة حينمــا توجهــت إلــى الغســالة كانــت فــي‬
‫مرحلــة عصــر المالبــس‪،‬نظــرت بداخلهــا فرأيتهــا‬
‫تبــدو أنهــا مقســمة إلــى طرقــات وســراديب داخليــة‪،‬‬
‫ســرحت قليــا بنطــري إلــى أن اســتوقفني ذلــك‬
‫المشــهد حينمــا رأيــت قميصــا ملتفــا علــى أحــدى‬
‫ذراعيــه فــردة جــورب‪،‬بــدا لــي االمــر كأن األخيــر‬
‫تمســك بصديقــه حتــى ال تجرفــه التيــارات المائيــة‪،‬‬
‫وقــد أعجبــت بهــذا الصديــق الــذي لــم يبخــل علــى‬
‫جــورب صغيــر بهــذا الكــم‪،‬أخذنــي ذلــك المشــهد‬
‫للمزيــد مــن التســاؤالت‪،‬كــم جــورب يــا تــرى تــم‬
‫إنقاذهــم منــذ بدايــة دورة الغســيل؟ وهــل اســتنجد‬
‫جميعهــم بقطــع أخــرى طلبــا للمســاعده أم أكتفــوا‬
‫بالصمــت؟ وهــل اســتجابت لهــم قطــع المالبــس‬
‫األخــرى أم أنــه فقــط ذلــك القميــص الوحيــد الــذي‬
‫مــد ذراع المســاعدة؟ انتبهــت علــى صــوت أمــي‬
 ‫وهــى تســألنى هــل أنهــت الغســالة دورتهــا؟‬
 ‫أجبتها‪:‬‬
 ‫نعم لقد انتهت للتو‪.‬‬
 ‫أمي‬


‫هيــا اخرجــي منهــا الغســيل حتــى أذهــب لوضعــه‬
‫بالشــرفة‪.‬بــدأت بأخــراج قطــع المالبــس ووضعهــا‬
‫فــي وعــاء الغســيل كمــا تريــد أمــي ووجــدت‬
‫فعــا ان هنــاك تشــابك بيــن كــم القميــص وذلــك‬
‫الجــورب الصغيــر‪،‬كمــا وجــدت بعــض الفــوط‬
‫تتمســك بالشراشــف الخفيفــة ألغطيــة األســرة‪..‬يــا‬

‫ألهــى مــا هــذا العالــم وكيــف تســير األمــور بينهــم؟‬
 ‫وعلــى مــاذا أسســت قوانينهــم؟‬
 ‫واحذني ذلك لطرقات وشوارع حياتية‪..‬‬
‫كــم مــرة تعثــر احدهــم بالطريــق وهــب آخــرون‬
‫إلنقــاذه كــم مــرة أضــاع أحدهــم الطريــق ألنــه‬
‫لــم يجــد ذراعــا يســتند عليــه أو يجذبــه للخــارج‪..‬‬
‫كنــت أظــن ســابقا أن الدعــم هــو النصــح باســتمرار‬
‫والتوجيــه‪،‬ولكــن أدركــت اآلن ان الدعــم ليــس‬
‫ســوى الــذراع المناســب فــي الوقــت المناســب‪..‬‬
‫الــذراع الــذي نتمســك بــه أثنــاء أعصــار الحيــاة‬
‫بأمــان‪،‬ال يرفــض وال يخزلنا‪..‬الدعــم هــو مــا رايتــه‬
‫بيــن كــم القميــص والجــورب الصغيــر فــي طرقــات‬
 ‫شــوارع دورة الغســيل‪.‬‬
 ‫أحببت ريحانه‬

‫بداخــل غصنهــا كانــت تتمايــل زهــرة الريحــان‬
‫برشــاقة ســعيدة بموقعهــا المتميــز داخــل الحديقــة‬
‫الــذي يجعلهــا تشــرف علــى كل أخبــار الحديقــة‬
‫عــن قــرب‪،‬لــم تخــش أبــدا زهــرة الريحــان مــن اي‬
‫زهــرة أخــرى قــد يراهــا البعــض تفوقهــا جمــاال ولــم‬
‫تتمنــى أن تكــون يســمينا وال فــل وال قرنفــل وال أى‬
‫زهــرة أخــرى‪،‬كانــت تؤمــن أن مــا حباهــا اهلل بــه من‬
‫رائحــة ذكيــه وقــوام مــرن يتمايــل مــع األيــام وألــوان‬
‫ممتزجــة مــن البنفســجي المحبــب واألخضــر هــو مــا‬
‫تحتاجــه بالظبــط لتكــون جميلــة بمــا يكفــى أو‬
   ‫يزيــد‪..‬‬
‫وبينمــا تســتمتع زهــرة الريحــان بهــواء المســاء العليل‬
‫وبعــض أصــوات الضفــادع الصديقــة المســتيقظة اثناء‬
‫منتصــف الليــل حيــن لمحــت ذاك الغريــب الــذي‬
‫أتــى لليــوم الثالــث علــى التوالــي إلــى الحديقــة‪،‬‬
‫يســير وحيــدا ثــم يجلــس بمنتصــف الحديقــة فــي‬
 ‫صمــت‪.‬‬
‫قــد يكــون ممارســا إلحــدى فنــون التأمــل الصامــت‪،‬‬
‫أو أتــى ليتعافــى بالطبيعــة مــن أمــر مــا‪،‬ولكــن مــا‬
‫زاد مــن دهشــتها توجهــه إليهــا اليــوم ليقــف عندهــا‬
‫مطيــل النظــر بهــا‪،‬ثــم تحــدث أخيــرا واكنــت دهشــتها‬
‫كبيــرة ألنهــا تعلــم أن البشــر لــم تعتــاد التحــدث إلى‬
  ‫النباتات‪.‬‬
‫ومــا زاد مــن دهشــتها أنهــا فهمــت مــا يقولــه لهــا‪،‬‬
‫كيــف ذلــك هــل تجيــد الزهــرة لغــات البشــر أم هــو‬
‫الــذي يحدثهــا بلغــة الزهــور؟ أم هــي لغــة أخــرى‪،‬‬
‫حديــث المشــاعر اقتربــت وانصتــت لــه حيــن قــال‪:‬‬
‫هــل تعلميــن أنــك كنتــى الزهــرة المفضلــة لزوجتــى‬
‫علــى مــدار عشــرين عامــا كاملــة‪،‬كنــت اتســائل‬
‫مــاذا بينكمــا؟ كانــت تأتــى لتســقيك وتســعد بنمــوك‬
‫وانباتــك ألغصــان أكثــر وأكثــر يومــا بعــد يــوم‪،‬‬
‫كنــت أوبخهــا أحيانــا لنزولهــا فــي المســاء أو فــي‬
‫درجــات الحــرارة الشــديدة أو البــرودة‪،‬واكنــت تــرد‬
 ‫علــي بابتســامتها‪:‬‬
 ‫عذرا انها الريحانة!!‬

تم نسخ الرابط