رواية مزيج العشق (الفصول كاملة) بقلم نورهان محسن
مساءًا في قصر البارون ليلًا
عند كارمن
تجلس في الجناح، وهي تحاول السيطرة على أعصابها.
إنها غاضبة جدًا من تصرف أدهم الذي جعلها تشعر رغمًا عنها بأنها ملكه وحده، وأن زواجه منها سيصبح أمرا طبيعيًا ومعروفًا، وهي لا تريد ذلك، واصرت انها ستظل في مكانها علي الأريكة حتى يأتي وتتحدث معه.
خرج مالك من الحمام الملحق بجناحهم، وكان يجفف شعره بمنشفة صغيرة.
كانت يسر مستلقية على السرير، وتبدو علي ملامحها الشرود، فترك المنشفة على الكرسي المجاور له، وذهب إليها بهدوء وانحنى عليها، خطفًا قبلة صغيرة من شفتيها الكردية وقفز بجانبها على السرير.
اعتدلت هي في جلستها وسندت ظهرها على السرير.
مرر ابهامه على طول وجهها برقة، وهو يهمس في اذنيها بصوت حنون يتغلله المرح: سلامته الجميل من الخضة
ابتسمت بعشق وخجل، فهو قادر علي تغيير مزاجها في لحظات بعبثه المحبوب لقلبها المتيم بعشقه.
مالك بغيرة محببة: انطقي بسرعة كنتي سرحانه في ايه يا بت انتي ؟
مالك بغرابة: مالها كارمن !!
سندت رأسها على كتفه قائلة بخفوت: عاوزة اسألك علي حاجة ؟
مال مالك رأسه على رأسها يهمس بحب: اسألي يا عيوني
يسر بإستفهام: انت اللي نشرت خبر جوازهم في الصحف والمواقع مش كدا !!
يسر بتفكير: مممم طلعتو مش ساهلين خالص يا احفاد البارون
مالك بغرور متصنع: اومال يا بنتي دا احنا جامدين اوي
يسر بحيرة: بس برده انا مش فاهمه ليه ادهم يعمل كدا !!
مالك بجدية: عشان بيحبها يا يسر
شهقت بإستنكار وهي تنظر له لتقول بعدم تصديق: انت بتهزر صح بيحبها ازاي وامتي !! هو لحق يحبها اصلا دول بقالهم اسبوع متجوزين ؟
نظر اليها قائلا بهدوء وجدية يشوبهما قليل من السخرية: هقولك ازاي.. بس عارفه لو وقعتي بلسانك الحلو دا في الكلام مع كارمن وقولتلها وقتها ادهم هيذبح جوزك وتتشردي انتي وابنك في الشوارع
هتفت بتركيز وهي تقترب منه اكثر: لا اطمن سرك في بير
مالك وهو يأخذ نفسًا عميقًا ثم اردف قائلًا: ادهم بيحب كارمن من يوم ما اشتغلت في الشركة قبل ماتجوز عمر.. بس انتي عارفه ان عمر اغلي حاجة عنده لما عرف انه بيحبها سكت وكتم في نفسه.. حياته كانت خربانه من جهة جوازته من الحيزبونه نادين وعشان موضوع انه مش بيخلف..
و الموضوع اتقفل علي كدا وبطل يتكلم فيه معايا لحد ما اتفتحت الوصية واتفتحت معها كل جروحه من تاني.. تخيلي العذاب اللي هو فيه متجوز ارملة اخوه اللي هو اصلا بيحبها ويمنع نفسه عنها عشان ماتكرهوش وعشان هو فاهم دماغها وانها هتدخل الشركة على أنها أرملة اخوه وبس.. مش بصفتها مرات ادهم وعشان هي رفضت وقت الجواز منه انهم يعملو حفلة لو صغيرة يتعزم فيها معارفنا وأصحاب الشركات اللي ليهم شغل معانا فحطها قدام الامر الواقع.
عندما أنهى حديثه حرك عينيه عليها، فرأي دموع يسر تنساب بحزن، فمرر طرف أصابعه على وجنتها يمسح دموعها، قائلا بصوته الدافئ: الحب مش لينا اختيار فيه يا حبيبتي والا مكنش حبها هي بالذات
قالت بصوت مبحوح: انا فاهمه كلامك.. بس معني كدا ان كارمن عملت اللي في دماغها.. انا حذرتها بلاش تمنعه عنها وان دا حرام وأنها تحاول تتقبل انه بقى جوزها.. بس برده انا عذراها صعب عليها وبلاش كلنا نبقي ضدها
مالك بحيرة وحزن: مفيش في ايدنا حاجة نعملها غير اننا ندعيلهم ربنا ييسرلهم الامور ويهديهم لبعض
نعود الي قصر البارون
بعد مرور ساعتين
دخل أدهم الجناح، ليجد كارمن نائمة على الأريكة في وضع غير مريح.
ذهب في اتجاهها لإيقاظها، لكنه توقف برهة يحدق بها في صمت، ثم مال إلى الأمام، ووضع يديه على كتفها وهزها برفق.
تمتمت كارمن بشيء لم يستطيع فهمه ولم تستيقظ، لذلك انحنى عليها ماسكًا ذراعيها بلطف، ووضع يده اليسرى خلف ظهرها ويده اليمنى تحت ركبتها وهدوء وخفة حملها بين ذراعيه القويتين، وسار إلى الغرفةئ
انحنى قليلًا ووضعها على السرير بهدوء، وعندما رجع للخلف، خبطت يده المنبه الموضوع على المنضدة وسقط على الأرض، مما أحدث صوتًا مزعجًا.
فتحت عينيها وكانت الرؤية مشوشة قليلًا بسبب الإضاءة الخافتة للغرفة.
جلست علي السرير بفزع، وهي تفرك عينيها بطفولية: في ايه.. انت بتعمل ايه هنا ؟!!
اعتدل في وقفته بعد أن أعاد المنبه إلى مكانه قائلا بحنان: مفيش جيت من برا لاقيتك نايمة علي الكنبة جبتك تنامي هنا.
تذكرت أنها كانت تنتظره منذ مدة حتى غفت دون أن تدرك.
نهضت من السرير ووقفت أمامه، وكتفت يداها على صدرها بغضب وقد طار النعاس من عينيها
حاولت كارمن ان تتحدث بهدوء دون ان تنظر اليه: ممكن اعرف انت ليه عملت كدا ؟
ادهم بعدم فهم: بتكلمي عن ايه ؟
أجابت كارمن بصوت عالٍ تلقائيًا، رافعة عينيها إليه فقد زاد غضبها بسبب برودة أعصابه: يعني مش عارف !! عن الصور اللي اتنشرت والخبر اللي بقي في كل المواقع وماتقوليش معرفش لان دي الصور اللي صورها مالك يوم كتب الكتاب واكيد مش هيعمل كدا الا لو انت خليته يعمل كدا
تجاهل ادهم صوتها العالي قائلا بصوته الرخيم: وفيها ايه.. الموضوع كان هيتعرف في كل الاحوال ماتنسيش اني شخصية معروفه والصحافه بتهتم بأي خبر عننا.
كارمن بدهشة: عننا !! بس انا مش مهتمه بنشر اخباري في كل مكان وكان لازم تسألني الاول علي الاقل !!
ادهم بسؤال: وانتي كنتي هتوافقي ؟
كارمن بحدة: لا ماكنتش هوافق
رفع ادهم حاجبيه بإبتسامة جانبية فهو توقع هذه الإجابة منها ليسأل بإستفزاز: ليه !!
صاحت كارمن بتسرع واندفاع: عشان انا مرات اخوك واللي بيني وبينك مش زي اللي وصل للناس بالخبر دا
نظر إليها وفي اقل من ثانية هاجت ثورة غضبه، واصبحت عينيه لونهما أحمر كالدم من الإنفعال العصبي.
سحبها أدهم من ذراعيها بشدة لدرجة أنها اصطدمت بصدره الصلب، وأخذ يزمجر عليها بعنف مصححًا جملتها: كنتي مرات اخويا يا كارمن ودلوقتي انتي مراتي انا.. فاهمه
تأوهت كارمن من الألم وهي تحاول التملص من قبضته على ذراعيها: اه.. انت مسكني كدا ليه !! ابعد عني وسيب ايدي
لم يتأثر بمحاولتها الهروب منه، حيث أمسك بمعصمها ولفه خلف ظهرها، واسر يدها الأخرى بين صدره وأصابع راحة يده لشل حركتها الهوجاء للهروب من قبضته، واصبح وجهه أقرب إلى وجهها وأنفاسه الحارة مباشرة على بشرتها الناعمة.
متجاهلًا كلامها وهو يستأنف حديثه بالغضب، فتلك الحمقاء جعلته يشعر بجمرة تحرق قلبه من الغيرة التي تفاقمت بداخله لأول مرة في حياته بهذه القوة، وأخرجت غضبه الكامن عليها، فصك على أسنانه بعنف حتى اصدرت صوتًا مخيفا قائلا بفحيح: مش معني اني سايبك تتأقلمي علي الوضع اللي احنا بقينا فيه وتتقبليه برضاكي ومخليكي قاعدة في الاوضة لوحدك.. اني مش هاجي في يوم واطالبك بحقوقي فيكي يا مدام
شعرت كارمن بإندفاع الحرارة الي وجنتيها، واجتاح جسدها قشعريرة لتلامس اجسادهم مسببة دغدغة لذيذة في معدتها، وبنبض قلبها ارتفع من قربه المهلك منها وتحوله المخيف هذا.
لقد بدأ يخونها قلبها واصبحت تشعر بإضطرابه الغريب عندما يقترب منها، لكنها قاومت هذا الشعور الذي يغتال قلبها رغما عنها وتحدثت بصوت متحشرج من توتر وإحراج: بس انت وافقت ان جوازنا يفضل علي الورق وكل حد فينا يكون في حاله
كان يلهث من فرط غضبه وبدأ يهدأ قليلًا، وحررها من أسر قبضته على معصمعها، لكنه أبقى يدها الأخرى في يده رفعًا سبابته، ليحذرها قائلًا بإصرار: وانا لسه عند كلمتي ومقربتش منك.. بس دا مش معناه ان الوضع دا هيستمر كتير واياكي تنسي انك علي ذمتي انا دلوقتي
ثم اردف بصوت منفعل: ومش هسمحلك تجيبي سيرة راجل تاني علي لسانك حتي لو كان اخويا فهمتي
لم تستطيع اخراج صوتها، وأعصابها اصبحت مخدرة من قربه منها، فهزت رأسها بصمت، ليبتعد عنها ويغادر الغرفة بخطوات سريعة صافعًا الباب خلفه.